اعداد حسن يوسف
تقرير تحليلي استراتيجي: استغلال شبكات قوات الدعم السريع في سياق الأزمة الجيوسياسية في النيجر
سوف اقسم هذا التقرير إلى عدة أقسام
القسم الأول: الخلاصة التنفيذية والتقدير الاستراتيجي
تشهد منطقة الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي تحولاً جيوسياسياً عميقاً يتميز بتداخل الصراعات الداخلية وتدويلها عبر شبكات الوكلاء العسكرية الخاصة. وقد شكل الانقلاب العسكري في النيجر في يوليو 2023 نقطة تحول حاسمة، حيث سرّع من تراجع النفوذ الغربي (الفرنسي والأمريكي) ومهد الطريق لتصاعد نفوذ قوى دولية وإقليمية تسعى لتثبيت الأنظمة العسكرية الجديدة. وفي هذا السياق، تظهر قوات الدعم السريع (RSF) في السودان، رغم انخراطها في صراع وجودي ضد الجيش السوداني، ككيان محوري يمكن استغلال شبكاته القتالية واللوجستية في خدمة مصالح هذه القوى في النيجر.
1.1. خلفية الصراع:-
النيجر كمركز تحول جيوسياسي
أدى انقلاب النيجر، الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي، ودفع الدول المجاورة مثل الجزائر وليبيا والسودان وموريتانيا إلى دائرة التهديد المباشر. في المقابل، تشكل تحالف جديد لدول الساحل (AES)، يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ككتلة عسكرية تسعى للتحرر من النفوذ الإقليمي لمنظمة الإيكواس (ECOWAS) والتبعية الغربية، مما دفع هذه الدول للبحث عن شركاء أمنيين جدد، وعلى رأسهم روسيا.
يشير التحليل إلى أن مسألة استغلال قوات الدعم السريع في الأزمة التي تلت انقلاب النيجر لا تعني بالضرورة النشر المباشر لوحدات تابعة رسمياً للدعم السريع من السودان. بل ينطوي المخطط على توظيف البنية التحتية اللوجستية وشبكات المرتزقة الأجنبية التي قامت RSF بتجنيدها وتدريبها وتنشيطها بالفعل في إطار حربها في السودان. هذا الاستغلال المزدوج يتم عبر مسارات لوجستية تدعمها قوى إقليمية، وعبر شراكة عملياتية مع كيانات أمنية دولية.
1.2. الاستنتاجات الرئيسية حول استغلال شبكات الدعم السريع في الساحل
يقوم التقدير الاستراتيجي على استنتاجين رئيسيين يربطان النزاعين:
– الربط اللوجستي والاستراتيجي:-
هناك مؤشرات قوية، نقلتها تقارير غربية، تفيد بقيام جهة إقليمية بإنشاء شبكة لوجستية متكاملة (تشمل مستشفيات ميدانية ومهابط طائرات) في دول الجوار للسودان مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لهذه الشبكة هو دعم قوات الدعم السريع في السودان، إلا أن وجودها يمثل بنية تحتية استراتيجية ذات استخدام مزدوج، قادرة على تسهيل حركة الدعم العسكري أو المقاتلين إلى عمق منطقة الساحل، بما في ذلك النيجر، بسرعة وسرية عالية.
-وكلاء الوكلاء (التقاطع العملياتي):-
يمثل التداخل بين مجموعة فاغنر الروسية وقيادة الدعم السريع، خاصة فيما يتعلق بشبكات تهريب الذهب والتبادل العملياتي للمعلومات، مساراً محتملاً لإعادة توجيه المرتزقة الذين اكتسبوا خبرة قتالية في السودان. يمكن لفاغنر أن تستفيد من هذه الشبكة لتوظيف مقاتلين من خلفية RSF لدعم الأنظمة العسكرية الجديدة في الساحل (النيجر، مالي، بوركينا فاسو)، مما يخلق جيشاً وكيلاً جديداً يخدم الأجندة الروسية.
القسم الثاني: الجغرافيا السياسية لمنطقة الساحل والسودان:-
-ترابط المخاطر الأمنية
يرتبط السودان والنيجر بتركيبة أمنية وجغرافية مشتركة، تجعل الصراع في إحداهما يغذي الآخر، خاصة فيما يتعلق بحركة الجماعات المسلحة والمقاتلين الأجانب. هذا الترابط يحول قوات الدعم السريع إلى محور تشغيلي لتوظيف وتدويل ظاهرة المرتزقة في الإقليم.
2.1. التحديات الأمنية العابرة للحدود وتأثير “لعبة السياسية:-
تهدد الفوضى المحتملة في النيجر، الناتجة عن الانقلاب، استقرار أربع دول عربية محورية (الجزائر وليبيا وموريتانيا والسودان)، خاصة عبر الحدود الطويلة والمضطربة. تتجلى مسارات التهديد المباشر في تدفق مزيد من المهاجرين، والمهربين، والمجموعات المسلحة والإرهابيين عبر النيجر نحو الجزائر وليبيا.
بالنسبة للسودان، يتمثل الخطر في التعرض لدخول المزيد من المرتزقة من النيجر للانخراط في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع، وذلك بسبب الحوافز المالية والقبلية والمجد. هذا التبادل في التدفقات يثبت أن الحدود لا تعمل في اتجاه واحد فقط، بل تعمل كقناة مزدوجة لنقل عناصر الصراع، حيث تغذي الفوضى في النيجر شبكات التجنيد التابعة لـ RSF في السودان. هذا يشير إلى أن العلاقة بين السودان والنيجر هي علاقة “تعويم متبادل” للصراع، حيث أن عدم الاستقرار الإقليمي يغذي الآخر بالموارد البشرية واللوجستية اللازمة لاستدامة النزاع.
وقد أكدت الحكومة السودانية بشكل رسمي هذا الواقع، حيث أشارت وزارة الخارجية إلى “التآمر الذي تتعرض له الدولة السودانية عبر الاستهداف من مليشيا الدعم السريع الإرهابية وقوات المرتزقة”.
كما أكدت الوزارة أن مشاركة “مئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار ومن دول خارج القارة” في حرب السودان قد حول الصراع إلى “حرباً إرهابية عابرة للحدود تُدار بالوكالة”، مما يهدد سيادة الدول الإقليمية وينتهك حرماتها.
2.2. مسارات التهريب وحركة المرتزقة عبر الحدود:-
تتمركز النيجر على ممرات حيوية لنقل المقاتلين والأسلحة. وقد كانت هناك تقارير أمنية و منظمات حقوقية عن مخاوف النيجر نفسها من تسرب أسلحة النظام الليبي السابق إلى المنطقة، مما يزيد من احتمالية استخدام هذه الممرات لخدمة أهداف في النيجر أو السودان على حد سواء.
الدليل الأبرز على الطبيعة العابرة للحدود لشبكة الدعم السريع هو الكشف عن استعانتها بقوات مرتزقة من عدة دول، بما في ذلك مرتزقة أجانب من كولومبيا لقوا حتفهم في معارك الفاشر. كما ضبطت القوات المشتركة قوافل إمداد عسكري لقوات الدعم السريع تحمل أسلحة ومعدات ومرتزقة. هذا التدويل للنزاع عبر شبكات المرتزقة، التي تدار بالوكالة، هو ما يجعل RSF مورداً قابلاً للاستغلال في أزمة النيجر. المقاتلون الذين يتم تجنيدهم من مناطق النزاع في غرب أفريقيا (بما في ذلك النيجر) للقتال في السودان يكتسبون خبرة قتالية وينخرطون في شبكة دولية، وهم جاهزون للانتقال لساحة قتال جديدة إذا توفر الحافز المناسب.
القسم الثالث: المصالح الدولية الكبرى واستراتيجيات توظيف الوكلاء:-
يتمحور الاستغلال المحتمل لشبكات الدعم السريع حول قوى دولية وإقليمية لديها مصالح استراتيجية في تثبيت الأنظمة العسكرية الجديدة في الساحل وتعزيز سيطرتها على الموارد. القوتان الأبرز في هذا السياق هما روسيا (عبر فاغنر) والإمارات (عبر شبكات الدعم اللوجستي).
3.1. محور روسيا ومجموعة فاغنر (Wagner/RSF Nexus)
لطالما سعت روسيا لترسيخ نفوذها في أفريقيا، خاصة بعد سلسلة الانقلابات في الساحل، عبر تقديم نموذج أمني بديل عن النموذج الغربي، وذلك من خلال شركات الأمن الخاصة مثل مجموعة فاغنر. وتتواجد فاغنر بالفعل في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة للنيجر والسودان. وقد أبدت الأنظمة العسكرية في دول الساحل، بما فيها النيجر بعد انقلابها، تقارباً لافتاً مع روسيا ودعوة قوات فاغنر، بالتوازي مع احتجاجات شعبية مناهضة للوجود الفرنسي.
تتمثل نقطة الالتقاء العملياتية الرئيسية بين فاغنر و RSF في العلاقة الوثيقة بين قائد فاغنر السابق يفغيني بريغوزين (قبل وفاته) والجنرال حميدتي، قائد الدعم السريع. وتشرف فاغنر على مواقع التعدين وتهريب الذهب المعفى ضريبياً في السودان. ورغم نفي الدعم السريع تلقي دعم عسكري مباشر من فاغنر ، فإن هذا التنسيق الاقتصادي واللوجستي يخلق أرضية خصبة لـ “اندماج وظيفي” في منطقة الساحل.
إن البنية القتالية لـ RSF، التي تعتمد على مرتزقة دوليين، تجعلها مورداً بشرياً قابلاً لإعادة التدوير. بعد مقتل بريغوزين وظهور توقعات بإعادة فرز كيانات شبيهة بفاغنر تحت سيطرة مباشرة من الكرملين ، قد تستفيد روسيا من علاقات فاغنر السابقة مع حميدتي لتجنيد أو “استعارة” هؤلاء المرتزقة الذين اكتسبوا خبرة في السودان. النيجر، كساحة جديدة تحتاج إلى تأمين غير غربي، يمكن أن تكون المسرح الذي يتم فيه نقل هؤلاء المقاتلين غرباً لخدمة النفوذ الروسي المتزايد، مما يجعل RSF مورداً عملياتياً لتمويل الأمن في الساحل.
3.2. استراتيجية النفوذ الإقليمي والشبكة اللوجستية الإماراتية:ـ
تعد الأهداف الإقليمية واللوجستية لدولة الإمارات عاملاً حاسماً في فهم استغلال شبكات الدعم السريع. كشفت وكالة بلومبيرغ أن الإمارات أنشأت شبكة لوجستية متعددة المكونات في الدول المحيطة بالسودان، تهدف إلى بسط نفوذها في أفريقيا وتعزيز دعمها لقوات الدعم السريع.
تشمل هذه الشبكة إنشاء مستشفيات ميدانية ومنح حق الوصول إلى مهابط طائرات في المناطق الشرقية النائية من جمهورية أفريقيا الوسطى، مقابل استثمارات في قطاعات الدفاع والتعدين والزراعة. إن هذا الوصول إلى مهابط الطائرات يوفر “مساراً جديداً لإمداد قوات الدعم السريع بسرعة وسرية”.
إن هذا التوسع اللوجستي يهدف إلى ترسيخ النفوذ في منطقة غنية بالموارد (الزراعة والمعادن)، وهو يتطابق جغرافياً مع مسارات التهريب التقليدية والساحة الجديدة للصراع في الساحل. الهدف ليس مجرد دعم RSF تكتيكياً، بل وضع بنية تحتية استراتيجية ذات استخدام مزدوج. نظراً لكون الإمارات هي المشتري الأكبر عالمياً لذهب السودان، وهو قطاع يسيطر عليه حميدتي، فإن المصالح الاقتصادية تتشابك بشكل وثيق مع الدعم اللوجستي للقوات شبه العسكرية.
يُعتقد أن النيجر ليست هدفاً معزولاً، بل هي امتداد استراتيجي لهذا العمق اللوجستي. الشبكة اللوجستية التي تخدم RSF في السودان عبر أفريقيا الوسطى وتشاد، يمكن استغلالها بسهولة لدعم أي وكيل محلي أو دولي جديد (مثل فاغنر) في النيجر، إذا تقرر دعم النظام العسكري في نيامي. هذا يوضح أن الداعمين الخارجيين يعتبرون منطقة الساحل ووسط أفريقيا مساحة عملياتية متكاملة للنفوذ غير الغربي.
فيما يلي سوف اتناول تحليل لتقاطع المصالح الخارجية في النيجر والسودان:
تقاطع المصالح الخارجية في النيجر والسودان
1/ روسيا (فاغنر) طرد النفوذ الغربي، و السيطرة على الأمن والموارد (Uranium)
2/ علاقات وثيقة مع حميدتي بتهريب الذهب،و شبكات مشتركة في توظيف مقاتلين RSFكمرتزقة لتعزيز النظام العسكري في نيامي.
3/ الإمارات و النفوذ السياسي،و الاستثمار في المعادن والزراعة، التجارة مع شبكة لوجستية موسعة في دول الجوار (مهابط طائرات) | باستخدام البنية التحتية اللوجستية لتسهيل حركة الدعم إلى الساحل غرباً.
4/ المجلس العسكري في النيجر يسعى إلى تثبيت الحكم، و إيجاد بديل للشركاء الأمنيين الغربيين (فرنسا) باستيعاب تدفقات المرتزقة، و التقارب مع الداعمين الخارجيين لـ RSF و توفير موقع استراتيجي لتوظيف مقاتلي الوكلاء ضد تهديد الإيكواس.
5/ السودان (الجيش) مكافحة الإرهاب، و إنهاء ظاهرة المرتزقة العابرة للحدود خصما على دعم السريع، و اتهامهم باستخدام مرتزقة من دول مجاورة (النيجر) و التحذير من تدويل خطر المرتزقة الناتج عن فوضى النيجر.
القسم الرابع: سيناريوهات توظيف شبكات RSF المحتملة في أزمة النيجر
تتخذ خطط استغلال شبكات RSF أشكالاً متعددة، تتراوح بين الدعم البشري غير المباشر إلى الردع العسكري ضد أي تدخل إقليمي.
4.1. سيناريو التوظيف الأمني غير المباشر (تزويد فاغنر بالمرتزقة)
يعد السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استخدام الروابط القائمة بين RSF وشبكات المرتزقة لتجنيد مقاتلين يتمتعون بخبرة قتالية في السودان ونقلهم إلى النيجر. يتمثل الدافع وراء ذلك في توفير غطاء أمني فوري وفعال للقيادة العسكرية في نيامي (المجلس الوطني للدفاع عن الوطن) ، مما يسمح لها بتثبيت حكمها والتعامل مع التهديدات الإرهابية دون الاعتماد على القوات الغربية.
التعقيد الكامن هنا يكمن في استغلال تسييل الهوية القتالية. المقاتلون الأجانب الذين انضموا إلى RSF هم “مقاتلون دوليون بالإيجار” يمكن إعادة توظيفهم بسهولة من قبل فاغنر أو حلفائها. هذا يمنح روسيا وشركاءها القدرة على توفير الأمن في النيجر دون الحاجة لنشر أعداد كبيرة من المقاتلين الروس المباشرين، مع الاستفادة من مقاتلين لديهم معرفة بالبيئة الإقليمية (الساحل).
4.2. سيناريو الردع العسكري ضد الإيكواس
في ظل التهديدات السابقة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) بالتدخل العسكري المباشر لاستعادة الرئيس المخلوع ، يمكن للقوى الخارجية الداعمة لانقلاب النيجر أن تستغل سمعة RSF كقوة قتالية غير تقليدية وعدوانية لتعزيز قدرة النظام الجديد على المقاومة أو الردع. إن نشر عناصر شبه عسكرية ذات سمعة سيئة، حتى بأعداد محدودة، يرفع بشكل كبير من التكلفة المتوقعة لأي تدخل عسكري للإيكواس، ويحول الصراع إلى حرب وكالة معقدة متعددة الأطراف مدعومة خارجياً.
4.3. سيناريو “التغذية المتبادلة” والتموضع الاستراتيجي:ـ
يتمثل هذا السيناريو في استغلال النيجر كمنطقة تجنيد وتوريد للمقاتلين الذين يتوجهون شرقاً لدعم قوات الدعم السريع في السودان ، وفي الوقت نفسه، استخدام النيجر (بسبب نظامها العسكري الجديد) كنقطة عبور لوجستية حليفة أو محايدة ضمن شبكة الإمداد التي تمتد عبر جمهورية أفريقيا الوسطى.
إن استمرار تدفق المرتزقة من الغرب إلى السودان يضمن استدامة حرب RSF ضد الجيش السوداني، مما يعمق حالة اللادولة ويخدم مصالح القوى الخارجية المستفيدة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ومع ذلك، يبرز هنا تناقض في المصالح: ففي الوقت الذي تغذي فوضى النيجر RSF في السودان، فإن النظام العسكري في النيجر يحتاج أيضاً إلى نفس الموارد البشرية واللوجستية لتثبيت حكمه. هذا يخلق ديناميكية معقدة من التنافس على المرتزقة بين الوكلاء المدعومين من نفس القوى الخارجية. القوى الداعمة تقرر أين توجه الموارد، مما يعكس تحولاً محتملاً في الأولويات الجيوسياسية من السودان إلى الساحل كساحة استراتيجية أكثر إلحاحاً.
فيما يلي تحليل لشبكة المرتزقة والتدفقات العابرة للحدود التي تسهل هذا الاستغلال:-
|
القسم الخامس: الانعكاسات الاستراتيجية والتوصيات للسياسات الدولية:ـ
تؤكد البيانات والتحليلات أن خطط استغلال شبكات الدعم السريع في أزمة النيجر هي جزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في منطقة الساحل-وسط أفريقيا.
5.1. تقييم المخاطر الجيوسياسية
إن تداخل شبكات الدعم السريع مع أزمة النيجر يولد مخاطر جيوسياسية كبيرة على النحو التالي:
أـ تدويل الصراع بالوكالة: يمثل التحالف بين الأنظمة العسكرية في الساحل (AES) واستقطابها نحو روسيا، مقترناً باستغلال شبكات RSF المدعومة إقليمياً، تدويلًا مباشراً للصراعات الداخلية. تتحول هذه الصراعات إلى حروب وكالة معقدة يصعب احتواؤها أو إنهاؤها بالطرق التقليدية.
بـ- تآكل السيادة الإقليمية: إن ظاهرة المرتزقة العابرة للحدود التي تدار بالوكالة “تهدد سيادة الدول وتنتهك حرماتها”. عندما تصبح القوات شبه العسكرية غير الوطنية، مثل شبكة RSF، هي المحور التشغيلي للسياسات الخارجية، فإنها تقوض بشكل منهجي مفهوم الدولة الوطنية في الإقليم.
ت- تفاقم الأزمة الإنسانية وتحدي البنية التحتية: إن ربط الصراع العسكري بالاستغلال اللوجستي للموارد (مثل الذهب والأراضي الزراعية التي تتحكم بها RSF في السودان) يضمن تمويل الشبكات القتالية ويطيل أمد النزاع. هذا الاستمرار يساهم في تفاقم المجاعة والأوبئة، كما حدث في السودان مع تفشي وباء الكوليرا وسط استمرار القتال.
5.2. التوصيات للسياسات الدولية
بناءً على هذا التحليل للروابط العميقة والمسارات اللوجستية المشتركة، يجب أن ترتكز الاستراتيجيات الدولية على إطار عمل متكامل على النحو التالي:
1/ التعامل مع الإقليم كوحدة عملياتية واحدة: يجب أن تتجاوز الاستراتيجيات الدولية التعامل مع أزمة السودان والنيجر كحالتين منفصلتين. بل يجب النظر إليهما كـ مساحة عملياتية واحدة تخضع لتأثير شبكات الأمن الخاصة والمصالح الخارجية المترابطة. أي ضغط على شبكة إمداد في شرق أفريقيا الوسطى سيكون له تأثير مباشر على القدرة العملياتية لـ RSF في السودان، وعلى إمكانية توظيف شبكاتها في النيجر.
2/ استهداف الشبكات اللوجستية والبنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج: يجب فرض رقابة دولية مشددة وعقوبات على الأصول والبنية التحتية اللوجستية (مثل مهابط الطائرات وخطوط الإمداد السريعة) التي تستخدمها القوى الإقليمية لتمويل أو دعم RSF وشركائها في الساحل. التركيز يجب أن ينصب على تفكيك شبكات النقل التي تسمح بالتحويل السريع للمعدات والمقاتلين عبر الحدود الإقليمية.
3/ الرقابة على الموارد غير المشروعة: يجب تفعيل آليات تتبع شفافة للذهب والمعادن التي يتم تهريبها من السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، لوقف تمويل شبكات الوكلاء. نظراً لأن الموارد هي الدافع الرئيسي لعمل فاغنر والدعم السريع، فإن تجفيف مصادر التمويل هذه يعد خطوة أساسية لتعطيل خطط التوظيف الإقليمي للمرتزقة.
